الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية هـل تغرق عودة الإرهابيين تـونـس في بحر من الدّمـاء؟

نشر في  14 ديسمبر 2016  (10:01)

 أعادت تصريحات رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بشأن المقاتلين التونسيين العائدين من سوريا والتي أكّد فيها أن الدستور لا يمنع عودة الإرهابيين التونسيين إلى بلادهم مهما كانت الأسباب، أعادت إلى الواجهة الحديث عن قانون التوبة في ظل تعاظم خوف التونسيين من مخاطر إمكانية تمرير هذا القانون  الذي اعتبروا أنّه سيكون بمثابة تبرئة للأفعال الوحشية التي ارتكبها هؤلاء مهما اختلفت درجات ممارساتهم فكفي أنّهم خيّروا التوجّه إلى طريق الدمّ والقتل والتنكيل والقرف بالانضواء تحت ألوية تنظيمات إرهابية..
وفي تصريح جديد، اعتبره البعض تراجعًا عن تصريحه السابق بشأن عودة المقاتلين التونسيين والذي أثار لغوا وجدلا كبيرين، أكد رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، أنه «لا تسامح ولا عفو ولا قانون توبة مع الإرهابيين».
كما شدد على أنه «يرفض بصفة قطعية العفو عن هؤلاء، مؤكدًا أنّهم «مجرمون»، وبالتالي لا بدّ من تقديمهم للعدالة فضلا على تشديده على أنّه لا تسامح مع من يرفع السلاح ويقتل الأبرياء، وأنّه لابد من تطبيق القانون بكل صرامة قبل أن يعيد التأكيد على أنّ ما يربطه بحركة النهضة هو «توافق وليس تحالفًا» مع العلم أنّ رئيسها راشد الغنوشي كان قد أشار في تصريحات سابقة إلى أنّ باب التوبة يبقى مفتوحا لمن أسماهم بالجهاديين الذين يتخلون عن الأفكار السوداء والهدامة..
هذا وتجدر الإشارة إلى أنّ مسألة قانون التوبة سبق أن طرحه الرئيس السابق المنصف المرزوقي سنة 2014 وتبناه بعض أعضاء المجلس الوطني التأسيسي سابقا، حيث كان مطلبا لإدراجه في قانون الإرهاب، إلا أنّ القانون برمّته لم يجد طريقه إلى المصادقة بعد الصراعات التي عرفتها باحات المجلس حوله..
ونظرا للتخوّفات الكبيرة المتصاعدة لدى كل التونسيين عن مستقبلهم ومستقبل أبنائهم في ظلّ الحديث عن قانون التوبة وعودة المقاتلين الإرهابيين التونسيين إلى بلادهم التي لم يعترفوا بها وأعلنوا التمرّد عليها، ارتأت أخبار الجمهورية تسليط المجهر حول هذه المسألة ..
نبيل نايلي: أيّ قنابل موقوتة تُزرع بين ظهرانينا؟

في البداية تحدّث نبيل نايلي الباحث في الفكر الإستراتيجي الأمريكي بجامعة باريس بإسهاب عما سمي بقانون التوبة وانعكاساته الخطيرة مستنكرا في ذات السياق صمت الأحزاب والمنظمات التي «تحسب نفسها» على الوطنية فضلا عن تخيير المعارضة  الوقوف على الربوة والصمت المحير على حدّ تعبيره..
وفي مقال نشره موقع الرأي اليوم استنكر الباحث استضافة قناة الحوار التونسي لطارق المعروفي الإرهابي «التائب» وفق ما تم توصيفه، معربا عن استغرابه كيف تم في برنامج «لمن يجرؤ فقط» اعتبار الإرهابي التائب المعروف وهو الذي صُنّف سابقا ضمن أخطر 10 إرهابيين في العالم اعتباره «إنسانا جديدا عاديا» «جريئا وشجاعا» ليأتي ويحدّثنا بإسهاب عن تفاصيل عديدة في حياته السابقة ومشاركته في منظمات إرهابية وإنقاذ بعض الشباب التونسي وفق ما جاء في نص المقال المذكور..

استنكار شديد لتصريحات السبسي

 كما بيّن الباحث رفضه لما جاء في تصريح الباجي قائد السبسي في باريس حول مسألة عودة الإرهابيين إلى تونس قائلا انه بتصريحات رئيس الدولة الباجي قائد السبسي، في باريس، عن تونس والإرهاب، وتنامي أعداد من يعودون من شباب تونس من بؤر التوتر، نكون قد قطعنا أشواطا على درب «قانون توبة» يضع الأمن التونسي والإقليمي على المحك ويكشف مدى الاستخفاف الذي يتمّ التعامل به مع ملف شائك ومفزع المضاعفات..وطنيا وإقليميا وقوميا!
وتابع استنكاره لما جاء في تصرح السبسي متسائلا «من أين يأتي جناب رئيس الجمهورية بهذا اليقين  ليجزم بـ«أنّ خطورة الإنغماسيين ومفخّخي السيارات وآكلي اللحم الآدمي ومُغتصبي ماجدات سوريا والعراق وليبيا، «إعلاء لكلمة الله» ـ وهو منهم براء ـ وتحت رايات التوحيد  باتت من الماضي»! ثم يفتي لنا جنابه كما أفتى غيره سابقا بضرورة «إبقاء باب التوبة مفتوحا حتى مع الجهاديين» متأسيا، بقياس ما لا يجوز، بتجربة «الوئام المدني الجزائرية» التي «استثنت من ارتكبوا جرائم القتل الجماعي وفجروا الأماكن العامة، ما دمنا حسب رأيه «لن نخترع العجلة من جديد»!! أو ما يهمس به بعضهم من مخاض تجربة «المناصحة» السعودية!!!»

هؤلاء هم الأحق بمنح الصفح والعفو وقبول التوبة..

من جهة أخرى قال الباحث في الفكر الإستراتيجي الأمريكي: «أليس الأحق بالثكالى والسبايا والأرامل واليتامى السوريون والعراقيون والليبيون ومن ذلك الطفل الذي استصرخ أحد القتلة «تذبحني ولكني سأشتكيك إلى ربي بعدها»، فما كان إلاّ أن ذبحه في زهو، أليسوا هم الأحق بمنح الصفح والعفو وقبول «التوبة»، إن صفحوا وقبلوا؟ من هؤلاء الذين يشرّعون الباب لجيوش من المهووسين بالذبح والقتل والاغتصاب والسبي والمرضى النفسيين  باب «توبة» والعودة وكأن شيئا لم يكن؟؟ ألم تشرب المؤسسة الأمنية والعسكرية ما يكفي من نفس العلقم الذي شرب منه السوريون والعراقيون والليبيون ؟؟»..
كما تحدّث نبيل النايلي عن الوقت الذي يلزم لمن احترف القتل الجماعي والذبح والاغتصاب والسبي وتفجير الأماكن العامة، بل والمساجد، ليعود «بشرا سويا» وهل أنّ رافعي شعارات قانون التوبة سألوا الأخصائيين النفسيين عن هذه المسألة قائلا: أي توبة هذه التي يمنحها شعب لمن انتقل، مع سبق الإصرار والترصّد، إلى بلد آخر يقتل لسنوات، بفتاوى بعض من يحكم الآن ولم يقدّم حتى مجرّد اعتذار، في حين يستثمر في عذابات ضحايا من عانوا من جلاّدي الدكتاتورية؟
وختم مقاله متسائلا «أيّ قنابل موقوتة تُزرع بين ظهرانينا، في انتظار أن يؤصّل -نظريا- للتوبة عن الخراب وفوضاهم غير الخلاقة؟ إلى أين يمضي هؤلاء بتونس؟»

عـلـي الـزرمـديـني يتحدّث عن الساسة وجماعة سليمان وتجارب الجزائر والشيشان

وقد كان لنا اتصال بالخبير الإستراتيجي والأمني العميد علي الزرمديني للحديث حول موقفه مما يسمى بقانون التوبة، فأكّد لنا أن هنالك إشكالا وخلطا كبيرين في ما يتعلّق بالمفاهيم الحقوقية والإرهاب، معربا عن أسفه الشديد لعدم إدراك الأوساط السياسية لخطورة عقيدة الإرهاب التي تتملك بالشخص كما يتملّك الجن بالإنسان على حد توصيفه..
 واعتبر محدّثنا أن الإرهاب هو أنموذج خاص من الجريمة المنظمة وهو عقيدة وليس إيديولوجية، قائلا «دينيا من قتل نفسا عمدا كمن قتل البشرية جمعاء فما بالك بهؤلاء الذين قتلوا وشرّدوا وشنّعوا بالجثث البشرية بغير حق وحطموا أنظمة وتاريخ بشرية وأساؤوا إلى المعتقدات، كيف يمكن لمن ارتكب هذا أن يعلو إلى التوبة وان يلاقي ربه بالتوبة؟»..
وتابع الزرمديني مداخلته مع أخبار الجمهورية قائلا انه لا مجال للتوبة لديهم فهم «يتماوتون» من أجل الوصول إلى غاية والى هدف، كما أنهم يستغلون الظروف والإطار المحيط بهم للتلون كالحرباء ويستغلون الظروف ويوظّفونها لفائدتهم وفقا لما تقتضيه الغاية فهدفهم وجرائمهم وعلاقاتهم ومواقفهم تصب كلها في إطار عقيدتهم، مشيرا إلى أن الإيديولوجية تتغير لكن العقيدة الإرهابية لا تتغير..

 الساسة تحت «مجهر» الزرمديني..

في المقابل أعرب في معرض حديثه عن أسفه الشديد من ارتباك الساسة أمام الشعارات الحقوقية غير مدركين لما تختزله الجماعات الإرهابية في مضمونها من أفعال وممارسات تتماشى مع أهدافهم وتركيبتهم وفكرهم وكيفية تعاملهم مع الغير ومع الحدث، قائلا إن نظرة هؤلاء الساسة لهذا الواقع نظرة سطحية تقتصر على الشعارات أو على الأفعال الآنية العرضية غير واعين أنّ الإرهاب متى تمسّك بعقلية الشخص فانه يفقده كل المعاني البشرية وهو ليس جريمة عرضية بل فعل عقائدي متمسك بالذات التي يكتسبها..

الشيشان والأفغان ومرزاق مدني في الواجهة ولا توبة للإرهابيين !

وبناء على ما ذكره أكّد علي الزرمديني أنّه «لا يمكن أن نفسح مجال التوبة للإرهابيين لأنه لا توبة لهؤلاء فلتصرفاتهم غاية ولفعلهم غاية والتوبة لا تستقيم مع أفكارهم ولا ترتبط أبدا بأفكارهم» على حدّ تعبيره، قائلا انّ الدليل على ما يقول هو ما حصل في الشيشان التي توجّه أغلب مواطنيها إلى بؤر التوتر رغم المصالحة الوطنية التي حصلت هنالك بعد نهاية الحرب فضلا عن الافغان الذين كوّنوا الجماعة الإسلامية المسلحة أو ما يعرف بالـ» GIA»..
 وأفاد الخبير الأمني الاستراتيجي أن المدعو «مرزاق مدني» قائد الجماعة الإسلامية المسلحة رغم التزامه لأعلى هرم في السلطة الجزائرية بأنه لن يعود إلى أي عمل سياسي فإنّه تحرك في السنوات الأخيرة ليقوم بعقد ندوات جهوية ووطنية وصيفية وأعلن نسبيا التمرّد والرغبة في إحداث حزب سياسي، إلاّ أنّ السلطة السياسية والعسكرية الجزائرية وقفت في وجه طموحاته مما منعه من القيام بذلك لمخالفته التراتيب التي أمضى عليها عند إعلان المصالحة ورغم هذا فهو ما زال مصرا على التحدي والعودة مجددا إلى الحياة السياسية بغطاء الإسلام السياسي وفق قول محدّثنا..

في تونس: جماعة سليمان أنموذجا

في المقابل شدّد محدّثنا على أنّه لنا أمثلة في التجربة التونسية حيث أنّه في قضية جماعة سليمان الإرهابية وقف كل الحقوقيين في ذلك الوقت لشنّ هجمة شرسة على النظام، معتبرين عمليّتهم منظمّة ومرتبا لها، وان من قام بها ضحايا أبرياء واليوم وبعد تمتع المنتمين لهذه الجماعة بعفو تشريعي كامل وامتيازات مادية ليقع كذلك إدماج عدد منهم في الوظيفة العمومية منهم من هو مؤهل ومنهم من هو غير مؤهل..
 أعلن بعض المنتمين لتلك الجماعة الارهابية العصيان والتمرّد على الدولة ليرفعوا السلاح ويعودوا إلى ما تجذّروا وتثبّتوا فيه إلى بؤر التوتر، مشيرا الى أنّهم الآن باتوا من القيادات الارهابية البارزة وسعوا إلى تحطيم كيان الدولة وهم على عهدهم الذي أخذوه على أنفسهم في السعي والعمل على إقامة دولة الخلافة وفق تعبيره..

الدستور ليس نصا قرآنيا منزّلا ..

 وشدّد محدثنا على انّه يجب على السلطة السياسية التكيّف مع هذه العقيدة والتفاعل بما يقتضيه هذا الأمر الخطير الذي يتطلب إجراءات استثنائية على كل المسويات بما فيها المسائل القانونية..
وتابع قائلا: «البعض اليوم بات يرفع شعارات من قبيل انّ الدستور مكّن كل التونسيين من الحق في العودة إلى بلدهم لكن هذا لا يمنع القول انه ورغم اعتبار الدستور أم القوانين والسند والمفتاح لكل نص قانوني ومجلة قانونية إلاّ أنّه ليس البوابة فهو ليس قرآنا منزلا، فهو فعل بشري لذلك يمكن مراجعته إذا اقتضت الضرورة ذلك أو إذا ارتبطنا بتأثيرات وتفاعلات قد تؤذي امن البلاد واستقرارها»..
من ناحة أخرى قال الزرمديني أنّه يجب علينا اليوم أن نعلم جميعا بأن تونس تحتاج إلى إعلان رسمي من قبل أعلى هرم السلطة ومن قبل القائد الأعلى للقوات المسلحة بأنها في حالة حرب تلزم اتخاذ إجراءات وسن تشريعات استثنائية بما تقتضيه هذه الحالة..

مخاطر قانون التوبة..

وفي ما يخصّ انعكاسات ما يسمى بقانون التوبة، اعتبر الخبير الاستراتيجي علي الزرمديني أنها خطيرة وكبيرة للغاية داعيا إلى التمعّن ودراسة كل الفيديوهات والتصريحات التي تخصّ الجماعات الإرهابية والتي تتتالى عبر الصفحات الاجتماعية وعبر المواقع الجهادية معتبرا أنّه من خلال القراءة العميقة لها خاصّة من خلال التهديدات المباشرة والوعد والوعيد نستطيع أن نفهم جيّدا بان تونس كانت ولا تزال الدائرة الأساسية الفعلية لاهتمامات الإرهابيين بمختلف فصائلهم..
وأشار إلى أن هؤلاء الإرهابيين ينظرون إلى الوراء والى التاريخ ويقرّون بأن القيروان هي الباب الرئيسي والمدخل الأهم والمهم لغزو كامل شمال أفريقيا والتوسع نحو الأندلس والتمدّد شرقا نحو صقلية وايطاليا فهذا حلمهم وهذا هدفهم وهذه غايتهم، وبالتالي إذا فهمنا هذا المعنى وإذا قرأنا جيدا ما يندرج في مخططاتهم سنفهم أن الأخطار كبيرة جدا ونفهم كذلك ان هذه العودة من خلال عقيدة الإرهاب ستكون عودة مبرمجا لها لان التنظيمات الإرهابية لا ولن تتخلى بسهولة عن مقاتليها سواء من مواقع تمركزها أو مواقع أخرى إلا لتحقيق هدف ما ولغاية ما على حد تعبيره..

ملف من إعداد: منارة تليجاني